أكثر من 5 ساعات بالأوتوبيس بين فتوة الصحراء وفتوة الشمس في عزها
النهاري. لا تشاهد على الجانبين غير أمزجة الألوان المختلفة لرمال الصحراء،
بيضاء، صفراء نقية، بنية، حمراء وأحياناً سوداء صخرية. بعد قرابة 320
كيلومتراً من محافظة الجيزة، يظهر مدخل واحة الباويطي إحدى واحات الصحراء
الغربية وأكثرها فطرية.
يقولون عنها واحة عجيبة، ويبدأ العجب من سؤال
أحد عناصر قسم شرطة الباويطي عند المدخل: «هو انتو حاجزين في فندق إيه؟».
يعكس السؤال كما يبدو ركوداً تعاني منه الفنادق... ما يستدعي إرشاداً من
عناصر القسم. وعلى كل حال، تبدو الواحة كلها راكدة في ذلك الوقت من اليوم،
إذ تتجاوز الحرارة 50 درجة مئوية. خلال قرابة 20 كيلومتراً من المسير داخل
الواحة، لا يُشاهد بشر ولا محلات مفتوحة. فقط لافتات ومظلات وبضاعة متروكة
من دون حراسة حتى لتبدو مهجورة.
يدخل الأوتوبيس شارع الفندق، فيختفي
الأسفلت فوراً، كأن التمدين مقصور على الطريق الرئيسي والوحيد المرصوف هنا،
وهو بالفعل كذلك إذ لا يلبث الزائر أن يكتشف الغياب التام للأرصفة
والتخطيط العمراني، بل تختفي أيضاً تغطية شبكات المحمول، فيما يسود السكون.
يقولون لك هنا إن الصحراء كريمة تأخذ منك التشوش وتعطيك الصمت والهدوء،
وهما سمتا الواحة الأساسيتان.
صديق الليل والصحراء
عم
بدري صديق لليل والصحراء. «كلاهما ساحر وغامض»، يقول، متفاخراً بمهارته في
معرفة طريقه في الصحراء مسترشداً بالنجوم، مهارة يعرفها منذ صغره وورثها عن
الجدود. ويتأسف لأن ابنه يعتمد الآن على تقنية تحديد المواقع GPRS
المتوافرة في سيارته الرباعية الدفع. «يقول لي إنه لم يعد بحاجة للنجوم».
ويشرح عم بدري أن في الواحة مصنعاً للألبان، وأن حليب المواشي هنا مذاقه
حلو «زي العجوة». والواقع أن البلح غير الصالح لمصنع التمور الموجود في
الجوار، يخلط مع الأعلاف فيزيدها غنى غذائياً».
ويستعجل محدثنا في
التوضيح أن صاحب المصنع «صعيدي من سوهاج، وكل العاملين فيه عمالة رخيصة من
الفيوم»، لكن لماذا؟ يجيب بلهجته البدوية: «الشباب لا يريد العمل بل الكسل،
يعني فلاحين بلا فلاحة». تعكس العبارة ألماً دفيناً لدى الرجل لا تعرف
تماماً إذا كان ناتجاً من ذلك الضيق المعتاد لدى كبار السن من قلة وعي
الشباب أو من اعتباره أن خير الواحة ليس لأهلها البدو، فيما هو ككل بدوي في
هذه الديار، مجبول على الاعتزاز والتمسك بأصله وقبيلته.